حليم فى لعبة المقالب مع الكبار


بقلم : أحمد رجب - مجلة النجوم

كان عبدالحليم حافظ يهوي المقالب ويسعد بتدبيرها فما أن يعايش موقفا يري فيه فرصة طيبة لمقلب حتي يشرع فورا في تنفيذه يساعده في ذلك ذكاؤه الفطري أو بتعبير أدق خبثه الشديد. ذات ليلة مثلا كنا في جناح استاذنا مصطفي أمين بالفندق الكبير، وكان ينزل به حتي تنتهي أعمال الديكور في شقته، وكان الحاضرون حليم وكمال الطويل وسعيد سنبل والكاتب الفلسطيني الكبير ناصر الدين النشاشيبي، ودخل علينا مدير عام الفندق وكان صديقا لنا جميعا، وقال ان مشكلة حدثت في الفندق استغرقت ساعتين من وقته،

نزيل عربي زعم ان السيدة التي صعدت اليه هي زوجته لحقت به قادمة من روما لكن المسئولين في الفندق طلبوا منه قسيمة الزواج أو ما يثبت انها زوجته، فجواز سفرها خال من اسم الزوج وانتهت المشكلة الي المدير العام الذي طلب من النزيل اثباتا وفقا للاصول المتبعة، فلما اصر النزيل علي بقاء السيدة الجميلة معه، استعان المسئولون في الفندق بقسم شرطة قصر النيل. وخرج مدير الفندق من جناح مصطفي أمين وبرقت فكرة المقلب في رأس حليم فاتفق مع ناصر النشاشيبي أن يقوم بدور السفير العربي لبلد النزيل الذي كان موجودا وقتها بقسم قصر النيل،

ويقوم حليم بدور مأمور قصر النيل، وامسك حليم فعلا بالسماعة وطلب مدير عام الفندق وقال له بصوت خفيض: أنا العميد فلان الفلاني مأمور قسم قصر النيل واحدثك من غرفة أخري غير غرفة مكتبي بعيدا عن نزيل الفندق المتهم وقال حليم انه يود أن ينبه السيد مدير الفندق أن جرجرة النزيل الي القسم قد تتسبب في تعقيدات ربما ينتج عنها أزمة سياسية مع البلد العربي الشقيق الذي ينتمي اليه النزيل، اذ يبدو انه شخصية هامة لدرجة حضور السفير بنفسه، ومضي مأمور القسم الذي هو حليم يقول انه سوف يعود الي مكتبه حيث يجلس السفير ويطلب من هناك مدير عام الفندق للتفاهم مع السفير.

وأغلق حليم التليفون ثم مضت لحظات وطلب مدير عام الفندق وقال له سعادة السفير يريد الحديث معه. وامسك ناصر النشاشيبي بالسماعة وهو يتقن ببراعة لهجة البلد العربي وحرص علي أن يكون صوته متوترا مشحونا بالغضب، وقال لمدير الفندق دون سلام أو تحية انه مندهش كيف حدث هذا الخطأ الذي لا يغتفر في مصر المضيافة؟ هذا عار وشنار وارتبك المدير ولم يعرف كيف يرد علي السفير بينما انطلق ناصر يقول كلاما غير مفهوم بالمرة وبسرعة غريبة ثم يقطع كلامه غير المفهوم بعبارة لا يصح الا الصحيح، وكان ناصر معروفا بخفة الدم،

وكاد الامر ينكشف بسبب ضحكاتنا التي نحاول كتمانها قدر المستطاع خصوصا ضحكة كمال الطويل المجلجلة واستمر ناصر سعادة السفير يأسف علي ما جري لمواطن عربي هو شخصية مرموقة في بلده، وله مواقفه العظيمة من أجل مصر وطنه الثاني، ولم يخرج رد مدير الفندق عن عبارة: كل شيء يتصلح يا فندم، واختتم ناصر حديثه الغاضب قائلا انه ينتظر كيف سيرد مدير الفندق اعتبار الضيف العربي الكبير الذي هو النزيل المتهم زورا، فأمهله مدير الفندق نصف ساعة ثم يعود للاتصال به ومعه الحل. فوجئنا بمدير الفندق يدخل جناح مصطفي أمين وقد بدا في حالة يرثي لها، وبادرنا قائلا: يا جماعة أنا في مشكلة وقولولي رأيكم. قال حليم: خير وروي مدير الفندق ما قاله مأمور قصر النيل وجناب السفير

وسأله حليم: لكن أنت ماقلتش النزيل اسمه ايه؟ وما ان نطق المدير باسم النزيل حتي فتح حليم فمه صارخا: يا خبر أسود قال مصطفي أمين: دا راجل مهم جدا.. ازاي ما تعرفوش؟

قال المدير: يادي النيلة، قال كمال الطويل، ورطة كبيرة الله يكون في عونك.

قال ناصر: لابد من حل سريع قبل أن تدخل وزارة الخارجية طرفا في الموضوع..

وانتهي الموقف باقتراح من مصطفي أمين بأن يذهب مدير الفندق الي قسم قصر النيل ومعه بوكيه ورد لجناب النزيل مع تقديم الاعتذار الكافي.

وهرع المدير الي مكتبه يطلب اعداد بوكيه ورد يليق بجناب النزيل، ثم توجه الي قسم قصر النيل يسأل المأمور: امال فين سعادة السفير؟ مين السفير؟ سفير كذا اللي كلمني - موش فاهم موش سيادتك كلمتني واديت السماعة لجناب السفير لايا فندم ما حصلش وغادر حليم جناح مصطفي أمين هاربا قبل أن يعود مدير الفندق بعد كشف المستور.

وعبد الوهاب

سيارتان، الاولي فيها مجدي العمروسي والاستاذ محمد عبدالوهاب يجلسان في المقعد الخلفي ومحاسب من شركة صوت الفن يجلس الي جوار السائق، والسيارة الثانية خلفها: حليم الي جوار السائق وفي المقعد الخلفي جلال معوض وأنا، وفي سيارة عبدالوهاب ووكي توكي مع مجدي العمروسي، وعلي مجدي العمروسيفي ساعة حددها حليم أن يفتح الووكي توكي علي الاذاعة وكأنه راديو ترانزستور وكان حديث الاذاعة بالصدفة البحتة عن أزمة صواريخ كوبا التي اشرفت علي حرب عالمية ثالثة والاستاذ عبدالوهاب ينصث باهتمام بالغ ولا اهتمام له ­منذ أيام الا أزمة كوبا وحصار الأمريكان البحري لكوبا وتهديدات خروشوف بالصواريخ الذرية التي زرعها علي أرض كوبا، وكوبا علي مرمي حجر من ولاية فلوريدا الامريكية.

في السيارة الخلفية جلال معوض يتأهب للكلام في الووكي توكي، ويحرك زرا صغيرا في الساعة المحددة فيقطع الاذاعة في سيارة عبدالوهاب ويتحول الي جهاز لاسلكي بين السيارتين، في السيارة الاولي توقف الحديث الاذاعي عن أزمة كوبا وفي السيارة الثانية جلال معوض يتحدث بصوته الذي يعلن دائما الاحداث الكبري يقول وصوته مسموع في سيارة عبدالوهاب أيها السادة اليكم هذا النبأ الهام: فشلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في ايجاد حل لأزمة كوبا بسبب تشدد خروشوف وأصبح متوقعا اعلان الحرب الذرية بين دقيقة وأخري.

في السيارة الاولي عبدالوهاب يردد عبارة واحدة وهو في حالة

ذعر هستيري: يا نهار أثود يا نهار أثود، ومجدي العمروسي يخرج يده من نافذة السيارة الاولي باشارة وقوف عبدالوهاب في حالة سيئة، حليم يسرع اليه ويقسم له أن المسألة هزار في هزار، وعبدالوهاب استشاط غضبا فقد كاد قلبه أن يتوقف.

وجليل البنداري
نفس السيارتين، الاولي فيها حليم الي جوار السائق وجليل البنداري يجلس في المقعد الخلفي، والسيارة الاخري فيها جلال معوض ومجدي العمروسي، حليم في السيارة الامامية معه جهاز الووكي توكي يذيع أغنية أنا قلبي اليك ميال، وفي الساعة المحددة حول جلال معوض الجهاز الي ووكي توكي وبدأ جلال يذيع الخبر،

أيها السادة جاءنا من مجلس قيادة الثورة البيان التالي: وقرأ جلال البيان عن مؤامرة كبري للاقطاعيين وقرأ أسماء عديدة ثم اختتمها قائلا والصحفي جليل البنداري قفز جليل البنداري في المقعد الخلفي كمن لدغته أفعي وراح يصرخ وقف العربية وقف العربية، واستجاب السائق وهو يكتم الضحك بصعوبة وقفز جليل من السيارة وانطلق يجري في الشوارع الجانبية للعجوزة، واقترح السائق أن يتعقبه.

لكن حليم كان يضحك، ولم يظهر جليل لمدة

أربعة أيام اختبأ خلالها عند صديق له ولا هم له الا سماع الاذاعة ليلا ونهارا، حتي اتصل بجلال معوض ليعرف آخر أخبار المؤامرة. فقال له جلال التحقيق مستمر.. انت فين دول دايخيين عليك قفل جليل السكة ولم يظهر الا بعد أسبوعين وهو يلعن عبدالحليم وسنسفيل جدوده هو وجلال معوض.

ثم أنا

الضحية هذه المرة: أنا

كان عبدالحليم في سويسرا، وفوجئت بصديق مشترك يحدثني بأن حليم أرسل لي خطابا عاجلا، فلما رجوته أن يرسله قال لي اتصلت بك ولم اجدك، فأعطيته لفلان، وهو صديق أيضا، فاتصلت به ليقول لي يا أخي أنا دايخ عليك والآخر أعطيته لفلان فاتصلت بهذا الفلان، وأخيرا بعد عدد من الناس تداولت هذا الخطاب تركه واحد لا أعرفه في استعلامات الاخبار، واتضح أن الخطاب هو كارت بوستال بلا مظروف حرص حليم علي توصيله لي بعد سلسلة طويلة حتي يتاح لأكبر عدد من الناس قراءة الكارت والكلمات التي كتبها حليم مهذبة مؤدبة علي غير عادته:

عزيزي أحمد وحشتني وياريتك كنت معايا. أحب أطمنك أن الاسرة بخير وتقدر تطمن عليهم من الصورة. وقلبت الكارت لأجد الصورة التي شاهدها أكبر مجموعة من الناس: مواشي ترعي فوق الجبل.